2013/06/23(آخر تحديث: 2013/06/23 على 20:08)
غرائب وعجائب في اوراق الإجابة
صورة: (الشروق)
[color][font]
أغان وكلمات منحطة في أوراق الإجابة.. والإجابات الأدبية الأكثر تعليقا وسخرية المصححون يُطالبون بمعاقبة المتورطين بالصفر والإقصاء للمتهكمين[/font][/color]
[color][font]
[/font][/color]
"...محمد بوضياف زعيم هندي.. ديغول هو رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، رابح بيطاط أحد قادة الربيع العربي.. ندعو بالشفاء لرئيس الجمهورية... الحالة ما هيش مليحا... نحط راسي في الراية"... هي عبارات ومكبوتات وقعها تلاميذ البكالوريا على صفحات الإجابة، وكلمات بذيئة أخرى احتراما لقرائنا نخجل من سردها.
وفضحت عمليات تصحيح أوراق أجوبة البكالوريا مكبوتات المترشحين، وأزعجت كتابتهم وخروجهم عن نص الإجابة، الأساتذة المصححين، حيث امتد الأمر إلى إفراغ التلميذ لمكبوتات غير أخلاقية، ومنحطة تشبه لحد بعيد الكتابات الحائطية لمراهقين .
ولم تعد الظاهرة تعني ورقة إجابة واحدة، قد تكون ضمن مائة ورقة تعطى للأستاذ المصحح، فحسب أساتذة صححوا أجوبة بكالوريا 2013، فإنه من بين 15 ورقة مصححة يخرج نحو 5 تلاميذ عن نص الإجابة، مطلقين العنان لكل ما يجول بخاطرهم .
مكبوتات على أوراق الإجابة
ومن مكبوتات مترشحي شهادة البكالوريا خوضهم في السياسة وتحليلات رياضية لكرة القدم، ومن بينها: يقول نص السؤال: عرّف الشخصيات التالية: محمد بوضياف، ديغول، وورد هذا السؤال في نص مادة التاريخ والجغرافيا، وكانت إحدى إجابات الطلبة كما يلي: محمد بوضياف هو زعيم هندي، أما ديغول فهو أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة، ولم يتوقف التلميذ عند هذا الحد، بل تعداه إلى شرح شخصيته بالقول: ديغول قام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية على غرار مشروع قسنطينة.
وفي سؤال آخر في مادة التاريخ والجغرافيا، يقول نص السؤال: عرّف الحركات التحررية؟ فيجيب أحد التلاميذ: "حركة حماس بقيادة نحناح، حركة حزب العمال بقيادة لويزة حنون".
وفي إجابة أخرى، ترك أحد الطلبة نصف الورقة الأولى بيضاء، ثم بدأ يقول "إن رئيسنا مريض ربي يشافيه والحالة ماهيش مليحا نحط راسي في الراية...".
وفي سؤال لمادة التاريخ يقول السؤال: عرّف الحرب الباردة وما معنى المعسكرين؟ يجيب التلميذ: سميت الحرب الباردة، لأنهم وضعوها في الثلاجة، أما تعريف المعسكرين، يجيب التلميذ كما يلي: "راك غالط يا الشيخ، إذا كنت تقصد معسكر فهي تقع في الغرب الجزائري، وإذا كنت تقصد معسكر تدريب الخضر فهم في رواندا".
وأجاب أحد التلاميذ معرّفا جمال عبد الناصر بقوله: "هو رئيس التيار النازي في مصر"، فيما يعرّف آخر رابح بيطاط، بأنه مناضل جزائري وهو أحد قادة الربيع العربي(..)! ويجب تلميذ آخر في تعريفه لجمال عبد الناصر: "جمال عبد الناصر هو أحد المشاهير الأحرار في مصر".
ولم تتوقف الإجابات عند حد التهكم والخروج عن النص، بل تعدت لمحاكاة الواقع الجزائري، حيث يقول سؤال في مادة الاقتصاد شعبة تسيير واقتصاد: عرّف رؤوس الأموال، فيجيب التلميذ: "هي الدراهم التي سُرقت من سوناطراك بقيادة شكيب خليل والخليفة...".
وفي مادة الجغرافيا طلب من التلاميذ تحديد مناطق الدول المصدرة للنفط، وقدمت لهم خريطة صماء، فكانت إجابات احد التلاميذ قاسية جدا.. أحد التلاميذ المجيبين حدد منطقة تواجد الجزائر بوسط إفريقيا وبالضبط بالكونغو... وهو ما يعني أن التلميذ لا يعرف حتى أين توجد بلاده أو أنه حددها متهكما وساخرا... وحدد تلميذ آخر منطقة السعودية في تركيا، وآخرون راحوا يستعطفون الأساتذة على ورقة الإجابة... أحدهم يبكي قائلا على ورقة الإجابة: "يا أستاذ، أنا تلميذ فقير، ولازم نجيب الباك، عاوني يرحم والديك".
ولم يجد تلميذ آخر في مادة الفلسفة ما يمكن تدوينه فراح يكتب: "...راني نخمم وين نروح، ندي كونجي، قولي يا شيخ واش رايك تعطيني 5 نقاط من عندك ونقول للحاجة تدعيلك..".
والملاحظ في إجابات تلاميذ البكالوريا، أن أغلب الإجابات التهكمية تدون في المواد الأدبية على حساب المواد العلمية التي يسعى الطالب لبذل جهد في الغش، وهو ما يعكس إما أن تكون طريقة الحل صحيحة والنتيجة خاطئة، وإما أن يكون العكس.
أما في الإجابات الأدبية فيتجه التلميذ إلى التفلسف وإبداء مواقف وآراء سياسية وتحليلات رياضية، وتزداد الظاهرة كلما لم يجد التلميذ فرصة للغش.
أساتذة تصحيح أوراق أجوبة البكالوريا لـ"الشروق":
إجابات التاريخ والجغرافيا والفلسفة الأكثر تهكّما
قال الأساتذة المصححون لمختلف مواد امتحانات البكالوريا، أن خروج التلاميذ عن النص أصبح ظاهرة وكثرت بحدة في بكالوريا هذه الدورة، فلم نعد نصحح فقط الإجابات الخارجة عن نص السؤال، بل نقف أحيانا حائرين أمام إجابات منحطّة وفيها قلّة أدب واحترام.
ويقول الأستاذ بورحلة، وهو أستاذ في مادة التاريخ والجغرافيا بثانوية ابن الهيثم، في تصريح لـ"الشروق": "لقد تألمت كثيرا وأنا أقرأ إجابات خارج النص، واحترت في كيفية التعامل معها، سيما تلك الإجابات غير الأخلاقية، وأنا شخصيا منحت علامة الصفر لكل إجابات من هذا النوع".
وقال الأستاذ بورحلة، أنهم يأملون من وزارة التربية الوطنية، أن تفتح وتعيد النظر في معادلة تصحيح أوراق الإجابة فلا يكفي أن نمنح نقطة الصفر، فلا بد أن يمنح أيضا الاقصاء حتى يعرف التلميذ أن سبب إقصائه هو تهكمه الساخر وقلّة أدبه للأستاذ المصحح ومصداقية البكالوريا.
وتقول أستاذة مادة الفلسفة "حورية.م" أن الظاهرة في هذه الدورة فاقت كل الحدود، فلم نعد نعثر على أوراق بيضاء وفقط، بل أصبح التلميذ يتجه إلى تدوين مكبوتاته وكتابة أغاني رياضية وغرامية، مؤكدة أنها وقفت على إجابات ساخرة وأخرى فلسفية اضطرت في إحداها إلى منح نقطتين بالرغم من خروج التلميذ عن نص الإشكالية، فيما منح الأستاذ المصحح الثاني علامة واحدة فقط؟، مبررة منحه نقطتين بكون الطالب لم يقل أدبه بل حاول تحديد إشكالية من وحي خياله والإجابة عليها.
وفي مادة الرياضيات قال أحد الأساتذة أن مثل هذا النوع من الاجابات التهكمية ينتشر خاصة في أوارق أجوبة التلاميذ المترشحين الأحرار، حيث عادة ما يتم إلغاء كم هائل من الاجابات بسبب تدوين هذه الأمور غير الأخلاقية، مشيرا إلى أنه بصفة عامة تقل الاجابات التهكمية في المواد العلمية على غرار الرياضيات التي يحاول الطالب تقديم إجابات ولو كانت خاطئة.
أخصائيون في علم الاجتماع ونفسانيون يحذّرون:
مكبوتات التلاميذ تُعبّر عن الهروب من واقع مرّ وانحطاط خلقي
اتفق أخصائيون وأساتذة في علم الاجتماع، على مدى خطورة الظاهرة لأنها بالدرجة الأولى تعكس الجيل القادم، الذي لم يعد يأبه بحرمة وقدسية ورقة إجابة امتحان مصيري مثل البكالوريا، فهي تعد صارخ على القيم والمبادئ، وتعبّر عن مكبوتات المراهقين التي انتقلت من الكتابات الجدارية إلى أوارق الإجابة.
ويقول الأستاذ في علم النفس بجامعة بوزريعة، مصطفى بوسماعين، قائلا: "إن ما يكتبه الطلبة على أوراق الإجابة هو خروج عن النص، مؤكدا أنه هروب وإنزال من واقع معيش وعادة ما يعكس يومياتهم، وعادة ما يلجأ التلميذ إلى هذا الأسلوب لحث الأستاذ عما في داخله وأيضا يعكس مدى الحالة النفسية التي يمر بها التلميذ".
وقال الأستاذ والأخصائي النفساني، أن علاج الظاهرة يكمن في تدريس التلميذ أدبيات وأخلاقيات احترام ورقة الإجابة، إلى جانب مشاركة الأولياء هموم أبنائهم وحثهم على التكلّم وزرع الثقة في النفس بداخلهم، كما تأسف الأستاذ عن انتقال الكتابات الجدارية إلى أوارق الإجابة، سيما منها الألفاظ غير الأخلاقية سواء تمثلت في أغان هابطة أو مفردات، مؤكدا أنه وجب إدخال مفاهيم جديدة في التدريس.
نقابات التربية تقترح إعادة سلّم منهجية التنقيط وتطالب:
الصفر والاقصاء لمن يقلّ من أدبه في ورقة الإجابة
علّقت نقابات التربية على ظاهرة "الاجابات الساخرة في أوارق أجوبة البكالوريا"، بأنها امتداد لما تعانيه المنظومة التربوية، ولما يعانيه بالدرجة الأولى الأستاذ داخل القسم.
في الموضوع صرح نوار العربي، أمين نقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، لـ "الشروق" قائلا: "من المفروض أن التعاليق الساخرة والإجابات خارج النص لا تصحح، ومن المفروض أن يحدد مسبقا الديوان الوطني للمسابقات والامتحانات، أن أي خروج عن النص أو تعليق ساخر أو تهكّم يؤدي إلى إلغاء الورقة فورا مع إقصاء التلميذ صاحب الإجابة".
ويؤكد مسعود عمراوي، المكلف بالإعلام لدى الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، في تصريح لـ"الشروق": "المعمول به هي المعاقبة الآنية للتلميذ لمدة ثلاث سنوات في حال التقليل من أدبه في ورقة الإجابة، لأن في ذلك تقليلا لأدبه للأستاذ المصحح، واقترح المتحدث إحالة التلميذ الذي يدوّن عبارات غير أخلاقية على العدالة كون ذلك مساس بالقيم والأخلاق".