1- التعليم قبل الإحتلال الفرنسي:
كان التعليم في الجزائر قبل الإحتلال الفرنسي منتشرا إنتشارا واسعا بين أبناء الشعب الجزائري.
وشمل التعليم العالي جمعا غفيرا من الناس المتعطشين للعلم والمعرفة. يجتمعون حول شيوخ عُلمَاءَ محترمين لا يتلقوْنَ عنهم علوم الشريعة فحسب بل يتلقون أيضا الأدب وعلوم الرياضيات وعلم الفلك أيضا.
أمّا التعليم الإبتدائي والثانوي فقد كان أكثر إنتشارًا قبل الإحتلال الفرنسي.
فبالنسبة للتعليم الإبتدائي كان يُعْطى في الكتاتيب ويقبل عليها الأطفال إقبالا كبيرا يشمل القراءة والكتابة وحِفظ القرآن الشريف.
أمّا التعليم الثانوي والعالي فكَانَا يُمْنحَان في المساجدِ والزوايا. كانت البرامج تشمل علاوة على القرآن الكريم والحديث الشريف اللغة العربية والبّلاغة والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والرياضيات وعلم الفلك.
كانت توجد في مدينة قسنطينة مدارسُ للتعْليمَيْن الثانوي والعالي وكان بها ما يقرب من 600 أو 700 تلميذ.
إذن قبل 1830 كان التعليم منتشرا في الجزائر.
2- التعليم في عهد الإحتلال الفرنسي:
- المرحلة الأولى (1830- 1880):
تميّزت هذه الفترة بالطابع الحربي الذي يعكس إهتمام المستعمر بسط نفوذهِ على الأراضي الجزائرية. ولمّا تأتى له ذلك عَمِل على ضرب دعَائم ومُقوّماتِ الشعب الجزائري.
في المرحلة الموالية أي بين سنة 1850- 1880 ترددت الحكومة الفرنسية ترَى هل تُفْتَحُ مدارس للجزائريين أم لا وما هي لغة التعليم المختارة– اللغة العربية أم اللغة الفرنسية أم كلتاهما معًا؟
وفتحت بالفعل مدارس في بعض المدن فقط تستقبل عددا محدودا من التلاميذ بينما كانت تؤسس لأبناء المعمرين مدارس في جميع المدن والقرى النّائية- هذا ورغم السّياسة الرشيدة التي أبداها آنذاك الإمبراطور نابوليون الثالث والرامية إلى احترام الشخصية الجزائرية وتعليم مبادئ الدين الإسلامي واللغة العربية بجانب اللغة الفرنسية، بقي عدد المدارس الرّسمية غير كاف نظرا لمعارضة المعمرين الأوروبيين.
ويجدر بالذكر أن معظم الجزائريين كانوا ينظرون إلى هذا التعليم نظرة حقيرة ولا يسمحون لأبنائهم وبالخصوص لبناتهم بارتياد تلك المدارس خوفا من ذوبان شخصيتهم الجزائرية المسلمة مفضلين الكتاتيب والزوايا.
- المرحلة الثانية (1880- 1930):
في سنة 1880 ظهرت نزعة جديدة ترمي إلى تعميم التعليم بالجزائر وخطت وزارة التعليم الفرنسية تنظيما جديدا يتبع التعليم في فرنسا بحكم سياسة الإدماج التي أعلنتها الحكومة الفرنسية. فأمرت بتطبيق قانون 12 جوان 1881 المتعلق بمجانية التعليم وقانون 28 مارس 1882 المتعلق بإجبارية التعليم الإبتدائي الساريين المفعول في التراب الفرنسي وبالفعل أصبح عدد المدارس يرتفع من سنة إلى أخرى كما ارتفع عدد التلاميذ ولكن نسبيا بكثير إذا قارناه بعدد الأطفال الذين هم في السّن الدّراسي الإلزامي فإنه يمثل 2 %.
ورغم القوانين المتخذة في فرنسا وغير المطبقة في الجزائر والتي كانت تنص على المساواة بين أبناء الأهالي وأبناء الأوروبيين مُنِعَ الكثير من الأطفال الجزائريين المسلمين من التعليم.
وفي نهاية القرن التاسع عشر كانت نسبة التمدرس 8,3 % بالنسبة لأبناء الجزائريين و84 % بالنسبة لأبناء الأوروبيين.
والسّبب الوحيد في هذه الحالة المؤسفة هو معارضة المعمرين الأوروبيين التي كانت تتمثل في مجلس النيابات المالية ورفض أعضائه توفيرَ الميزانية الكافية لتأسيس المدارس وتعميم تعليم أبناء الجزائريين.
إذن عارض المعمرون تعليم أبناء الأهالي اللغة الفرنسية ما بالك بالنسبة للغة العربية لم يوافقوا حتى على تدريس المبادئ الأولية منها. فكانت اللغة العربية تدرس في الثانويات كلغة أجنبية مثل اللغة الإنجليزية والألمانية والإسبانية من طرف أساتذة أغلبهم فرنسيون وبطريقة أقل ما يقال عنها تتنافى تماما مع الطرق السليمة في تدريس اللغات حيث كانت تعطى قواعد اللغة بالفرنسية وكان مدرسوها يستعملون المصطلحات الفرنسية وفي كثير من الأحيان الحروف اللاتينية.
هذا ويجدر بالذكر أن الحكومة الفرنسية كانت قد فتحت سنة 1850 ثلاثة معاهد في كل من الجزائر وتلمسان وقسنطينة، الغاية الرسمية منها تكوين بعض الجزائريين لوظائف معينة: أعوان سلك القضاء. ولكن الغاية الحقيقية من تأسيس هذه المعاهد الحكومية هي إبعاد التلاميذ عن الزوايا والمساجد وكانت مدة التعليم في هذه المعاهد أربع سنوات. كانت توفر للتلاميذ دراسة اللغة الفرنسية واللغة العربية والأسس الرياضية والعلمية والتاريخ والجغرافيا ومبادئ النظم الإدارية. تختتم الدّراسة بشهادة نهاية الدّراسات للمعاهد ثم يلتحق البعض القليل من حاملي هذه الشهادات بالقسم العالي في الجزائر العاصمة وبعد سنتين تختتم الدراسة فيه بشهادة الدّراسات العليا يسمح لحاملها أن يشتغل كعادل أو قاض أو مدرس وكان عدد التلاميذ في جميع هذه المعاهد لا يفوق 150 تلميذ قبل سنة 1930.
إذن خابَت من جديد أمال الجزائريين ولاسيما بعد الحرب العالمية الأولى التي شاركوا فيها وفي سنة 1928 قبل الذكرى المئوية كانت الحالة من أسوأ الحالات، حيث أن عدد التلاميذ الجزائريين كان بالتقريب 55.500 تلميذ في التعليم الإبتدائي كما كان عدد المدارس 550 مدرسة في جميع القطر. هذا و يثبت التاريخ أن عدد المدارس الإبتدائية كان 222 مدرسة في الجزائر العاصمة وحدها قبل الإحتلال الفرنسي.
- المرحلة الثالثة 1930- 1962:
إحتفلت فرنسا سنة 1930 بالذكرى المئوية وأقيمت بهذه المناسبة تظاهرات عظيمة ومَجّدت الحكومة الفرنسة إنجازاتها في جميع الميادين. بعد ذلك أصبح عدد المدارس والتلاميذ يرتفع ولكن دائما بصورة نسبية. فوضعت الحكومة الفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى تخطيطا يهدف إلى تعميم التعليم لفائدة أبناء الجزائريين بصفتهم "فرنسيين مسلمين" كما قررت تطبيق التعليم الإجباري الذي نصّ عليه قانون 1882.
دخلت بالفعل هذه القرارات حيز التطبيق وأصبح عدد المؤسسات والتلاميذ يرتفع من سنة إلى أخرى. فألغت الحكومة الفرنسية "تعليم الأهالي" بموجب مرسوم مؤرّخ في 5 مارس سنة 1949 ولكن رغم هذه المحاولات بقي العديد من الأطفال الذين كانوا في السّن الدّراسي الإجباري محرومين من التعليم.
بعد اندلاع الثورة التحريرية ضاعفت الحكومة الفرنسية جهودها وعلاوة على المدارس الجديدة أسست سنة 1955 المراكز الإجتماعية التربوية الخاصة بالأطفال الكبار. كان الهدف الحقيقي من هذه المراكز إبعاد الشباب عن الثورة. وفي سنة 1958 أصدرت الحكومة الفرنسية قانونا جديدا في شأن تعليم المسلمين ووضع تخطيط آخر يهدف إلى تعميم التعليم في مدة ثماني سنوات. فأنجزت عدة مدارس وانتدب كمعلمين حاملو شهادة التعليم المتوسط أعني المساعدين.
هذا وبقي حظ اللغة العربية ضعيفا جدا في المدارس ولم تعطها الحكومة ما تستحقه من عناية مع أن قانون الجزائر الذي نصّ عليه أمر مؤرخ في 20 سبتمبر 1947 يعتبر اللغة العربية لغة من لغات الإتحاد الفرنسي يجب تدريسها في جميع المستويات.
هذا وقد حوّلت المعاهد الثلاثة التي أشرنا إليها أعلاه إلى ثانويات فرنسية إسلامية، ثم إلى ثانويات وطنية سنة 1959. أمّا القسم العالي أصْبَح يسمى "معهد الدّروس العليا الإسلامية". (الدليل في التشريع- د مرجي).
المدارس المسيحية: شرع في تأسيسها منذ سنة 1878 تسعى إلى مدّ سيطرتها الفرنسية المسيحية. فكان لها التأثير البالغ في منطقة القبائل حيث سجل فيها 21 مدرسة تضم 1039 تلميذا. كما انتشرت في العديد من المناطق الجزائرية كالجنوب والغرب والشرق.
وهو نوع من التعليم التبشيري والتمسيحي والسياسي مدعما من السلطات الفرنسية.
الزوايا والكتاتيب القرآنية: على الرغم من بساطة هذه الهياكل إلا أنها استطاعت أن تحافظ على مقومات المجتمع الجزائري من خلال تدريسها للقرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية. فهي ذات إنتشار واسع في كافة أنحاء الوطن منها ينقل الشاب الجزائري إلى الزيتونة بتونس والقرويين بالمغرب وحتى إلى المشرق العربي.
وكادت اللغة العربية تضمحل في أرضها ومعها الشخصية الجزائرية المسلمة لولا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسست سنة 1931 فشرعت في فتح مدارس إبتدائية حرّة بعد حملة لا نظير لها وتبرع المخلصون من الجزائريين المسلمين بأموال جزيلة على جمعية العلماء واثقين بضرورة إسترجاع اللغة والثقافة العربية مكانها القديم. كانت تدرس جميع المواد بما فيها العلوم باللغة العربية من طرف معلمين جزائريين وأقبل على هذه المدارس خاصة في المدن الكبرى الكثير من الأطفال فبلغ عدد المدارس الحرة ما يقارب 150 مدرسة تضم أكثر من 4500 تلميذ وتلميذة لأن جمعية العلماء إعتنت كثيرا بتعليم البنات.
هذا ويجدر بالذكر أن الإدارة الفرنسية بذلت كل ما في وسعها لعرقلة تأسيس هذه المدارس وأغلقت الكثير منها بالخصوص أثناء الحرب العالمية الثانية.
أمّا بالنسبة للتعليم الثانوي إهتمت الجمعية به أيضا واعتنت بإرسال العشرات من الطلبة إلى مختلف الدّول العربية وعلى وجه الخصوص إلى جامع الزيتونة بتونس.
من بحث للأستاذ: محمد الهادي بن سقني